تتواصل فعاليات البرنامج التدريبي “التفكير المستقبلي وصناعة القرار” الذي تنظمه منظومة OMC بالتعاون مع الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، بمشاركة وفد من قيادات وزارة العمل والتأهيل الليبية، وذلك في إطار دعم القدرات القيادية وتعزيز مفاهيم الإدارة الاستراتيجية وصنع القرار في المؤسسات الحكومية.
وفي هذا السياق ألقى اللواء الدكتور إسماعيل سيد، مستشار بكلية الدفاع الوطني بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية محاضرة محورية بعنوان “أساليب صنع القرار” تناول خلالها الأبعاد المختلفة لعملية صناعة القرار الاستراتيجي في المؤسسات والدول، مؤكدًا أن بناء القرار لا يقوم على الاجتهاد الفردي وإنما يستند إلى رؤية متكاملة تتعامل مع الواقع بتعقيداته وتحدياته.
استهل اللواء إسماعيل محاضرته بالتفريق بين مفهومي صنع القرار واتخاذ القرار موضحًا أن الأول يمثل العملية الشاملة التي تسبق الوصول إلى القرار النهائي وتشمل جمع المعلومات وتقييم البدائل وتحليل المواقف، بينما الثاني هو الخطوة التنفيذية التي يُعبَّر فيها عن الموقف الرسمي أو الإجراء المتخذ، مشيرًا إلى أن الإلمام بهذا التمييز ضروري لأي قائد أو مسؤول معني بإدارة الأزمات أو رسم السياسات.
وسلّط الضوء على العوامل المختلفة التي تؤثر على صانع القرار الاستراتيجي، مشيرًا إلى وجود نواحٍ متعددة للضغط قد تُمارس على متخذ القرار سواء كانت سياسية أو إعلامية أو اجتماعية أو حتى نفسية، وهو ما يستدعي امتلاك أدوات تحليل دقيقة وقدرة على مقاومة التشويش وحسم الخيارات بناءً على معطيات حقيقية، لا على انطباعات أو ضغوط وقتية.
كما عرض المحاضر خطوات عملية لصنع القرار الاستراتيجي داخل المؤسسات، مؤكدًا أن هذه العملية تبدأ بتقرير شامل من الجهة المختصة يوضّح أبعاد الموقف من كافة الزوايا، وهو التقرير الذي يُبنى عليه بعد ذلك تقييم السيناريوهات والبدائل المطروحة وصولًا إلى الخيار الأمثل، موضحًا أن هذا النموذج يُعد إطارًا عمليًا يُحتذى به في البيئات التي تتطلب حساسية في التعامل مع القضايا المصيرية.
وتطرّق اللواء إسماعيل إلى أبرز مؤسسات صنع القرار في الدولة المصرية موضحًا دور كل من مجلس الأمن القومي ومجلس الدفاع الوطني والمجالس القومية المختصة، مشيرًا إلى أن هذه المؤسسات تُشكّل منظومة متكاملة تعمل بتنسيق مشترك لضمان أمن الدولة وسلامتها، كما أشار إلى مهام وواجبات المجالس القومية المتخصصة والتي تشكل رافدًا مهمًا في دعم متخذ القرار بالمعلومة والتحليل والرؤية الاستشرافية.
وشدّد اللواء الدكتور إسماعيل سيد على أن صانع القرار الناجح هو من يستطيع فرز المعلومات والتعامل مع التقارير بعين فاحصة وتحليل منطقي بعيدًا عن التحيزات، وهو من يملك شجاعة اتخاذ القرار وتحمل تبعاته عند الضرورة، مشيرًا إلى أن القرارات الاستراتيجية لا تُبنى على الانفعال أو ردود الأفعال، بل على دراسة معمقة للموقف وخطة متكاملة لمواجهة التحديات وتحقيق الأهداف.
وفي ختام المحاضرة وجّه دعوة إلى القيادات والمؤسسات بضرورة ترسيخ ثقافة التحليل والتفكير النقدي داخل فرق العمل، وتدريب الأفراد على آليات التقدير السليم للمواقف، مؤكدًا أن مؤسسات اليوم في حاجة إلى قادة يفكرون بمنهج علمي قادر على استيعاب المتغيرات المتلاحقة وإدارتها بحكمة واقتدار.
الجدير بالذكر أن البرنامج يهدف إلى تأهيل الكوادر التنفيذية على أسس التفكير المستقبلي وتحليل المواقف المعقدة واتخاذ قرارات فعّالة في بيئات سريعة التغير، كما يشكّل منصة للتبادل المعرفي والخبرات بين الجانبين المصري والليبي، ضمن رؤية أشمل لتعزيز التعاون في مجالات التدريب وبناء القدرات.